سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


قلت: {كم}: خبرية، مفعول {أهلكنا}، وهو على حذف الإرادة، أي: في الحال أردنا إهلاكها، و{بياتًا أو هم قائلون}: حالان، أي: بائتين أو قائلين، وأغني الضمير في {هم} عن واو الحال.
يقول الحقّ جلّ جلاله: كثيرًا من القرى {أهلكناها} لما عصت أمرنا، وخالفت ما جاءت به رسلنا، {فجاءها بأسُنَا} أي: عذابنا {بياتًا} أي: ليلاً، كقوم لوط؛ قلبت مدينتهم، عاليها سافلها، وأرسلت عليهم الحجارة بالسَّحَر، {أو هم قائلون} نصف النهار، كقوم شعيب، نزلت عليهم نار فأحرقتهم، وهو عذاب يوم الظلمة، وإنما خص الوقتين؛ لأنهما وقت دعة واستراحة، فيكون مجيء العذاب فيهما أفظع.
{فما كان دعواهم} أي: دعاؤهم واستغاثتهم حين جاءهم بأسنا، {إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين} أي: إلا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وبطلانه، تحسرًا، أو: ما كان دعاؤهم إلا قولهم: {يَا وَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىَ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [الأنبياء: 14، 15]: ميتين، فإذا أحييناهم وبعثناهم من قبورهم، فوالله {لنسألن الذين أُرسل إليهم} عن قبول الرسالة وإجابة الرسل، {ولنسألن المرسلين} عما أُجيبوا به، والمراد بهذا السؤال: توبيخ الكفرة وتقريعهم، وأما قوله تعالى: {وَلاَ يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القَصَص: 78]، فالمنفي: سؤال استعلام؛ لأن الله أحاط بهم علمًا، أو الأول في موقف الحساب، وهذا عند حصول العقاب.
{فلَنقصَّنَّ عليهم} أي: على الرسل والأمم، فنقص على الرسل ما قُوبلوا به من تصديق أو تكذيب، وعلى الأمم ما قابلوا به الرسل من تعظيم أو إنكار، أو فلنقص على الرسل ما علمنا من قومهم حين يقولون: {لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} [المَائدة: 109]. نقص ذلك عليهم {بعلْمٍ} وتحقيق؛ لاطلاعنا على أحوالهم، وإحاطة علمنا بسرهم وعلانيتهم. {وما كنا غائبين} عنهم، فيخفى علينا شيء من أحوالهم، بل كنا حاضرين لديهم، محيطين بسرهم وعلانيتهم.
الإشارة: ما أهلك الله قومًا وعذبهم إلا بتضييع الشرائع أو إنكار الحقائق، فمن قام بهما معًا كان مصحوبًا بالسلامة، موصوفًا بالكرامة في الدارين، ومن ضيعهما أو أحدهما لحقه الوبال في الدارين، فإذا لحقه إهلاك لم يسعه إلا الإقرار بالظلم والتقصير، حيث فاته الحزم والتشمير، فإذا ندم لم نفعه الندم، حيث زلت به القدم، فالبدارَ البدارَ إلى التوبة والانكسار، والتمسك بشريعة النبي المختار، والتحقق بمعرفة الواحد القهار، وصحبة الصالحين الإبرار، والعارفين الكبار، قبل أن تصير إلى قبرك فتجده إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
وكما أن الحق تعالى يسأل الرسل عما أُجيبوا به، يسأل خلفاءهم وهم الأولياء والعارفون عما إذا قُوبلوا من تعظيم أو إنكار، فيرفع من عظمهم في أعلى عليين، ويحط من أنكرهم في محل أهل اليمين. وبالله التوفيق.


قلت: {الوزن}: مبتدأ، و{يومئذٍ}: خبره، و{الحق}: صفته، أي: الوزن العدل حاصل يومئذٍ.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {والوزن} أي: وزن الأعمال، على نعت الحق والعدل، حاصل يوم القيامة، حين يسأل الرسل والمُرسل إليهم. والجمهور على أن صحائف الأعمال تُوزن بميزان له لسان وكفتان، ينظر إليه الخلائق؛ إظهارًا للمعدلة وقطعًا للمعذرة، كما يسألهم عن أعمالهم، فتعترف بها ألسنتهم، وتشهد بها جوارحهم، ويؤيده ما رُوِي: «أن الرجل يُؤتى به إلى الميزان، فيُنشَر عليه تسعَةٌ وتِسعُونَ سِجلاًّ، كُلُّ سِجِلًّ مَد البَصَرِ، فَتُخرَحُ لَهُ بطَاقة فِيهَا كَلِمةُ الشهَادِة، فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كِفةٍ، والبطاقة في كفّة، فَتثقُل البطاقةُ، وتَطِيشُ السِّجلاَّتُ».
وقيل: توزن الأشخاص؛ لما رُوِي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّهُ ليأتِي العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيَامَة لا يَزنُ عندَ اللهِ تَعالى جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» والتحقيق: أن المراد به الإهانة والتصغير، وأنه لا يساوي عند الله شيئًا؛ لاتباعه الهوى.
ثم فصل في الأعمال فقال: {فمن ثَقُلَتْ موازينه} أي: حسناته، أو الميزان الذي يوزن به حسناته، وجمعه باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن، فعلى الأول هو جمع موزون، وعلى الثاني جمع ميزان، فمن رجحت حسناته {فأولئك هم المفلحون} الفائزون بالنجاة والثواب الدائم، {ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسَهُمْ} بتضييع الفطرة السليمة التي فُطِروا عليها، واقتراف ما عرضها للهلاك، {بما كانوا بآياتنا يَظلمُون} حيث بدلوا التصديق بها بالتكذيب، والعمل فيها بالتفريط. نسأل الله تعالى الحفظ.
الإشارة: العمل الذي يثقل على النفس كله ثقيل في الميزان؛ لأنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقًا، والعمل الذي يخف على النفس كله خفيف؛ لأنه فيه نوع من الهوى؛ إذ لا يخف عليها إلا ما لها فيه حظ وهوى، وفي الحكم: (إذا التبس عليك أمران، فانظر أثقلها على النفس فاتبعه؛ فإنه لا يثقل عليها إلا بما كان حقًا). وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: والله ما ثقل ميزان عبد إلا باتباعه الحق، وما خف إلا باتباعه الهوى. قال تعالى: {والوزن يومئذٍ الحق}. اهـ. بمعناه ذكره في القوت. وهذا في غير النفس المطمئنة، وأما هي فلا يثقل عليها شيء، وقد يثقل عليها الباطل، ويخف عليها الحق، لكمال رياضتها. والله تبارك وتعالى أعلم.


يقول الحقّ جلّ جلاله: {ولقد مكناكم في الأرض}؛ تتصرفون فيها بالبناء والسكن، والغرس والحرس والزرع، وغير ذلك من أنواع التصرفات، {وجعلنا لكم فيها معايش}: أسبابًا تعيشون بها؛ كالتجارة وسائر الحرف، {قليلاً ما تشكرون} على هذه النعم، فتقابلون المنعم بالكفر والعصيان، فأنتم جديرون بسلبها عنكم، وإبدالها بالنقم، لولا فضله ورحمته.
الإشارة: نعمة التمكين في الأرض متحققة في أهل التجريد، والمنقطعين إلى الله تعالى، فهم يذهبون في الأرض حيث شاؤوا، ومائدتهم ممدودة يأكلون منها حيث شاؤوا، فهم متمكّنون من أمر دينهم؛ لقلة عوائدهم، ومن أمر دنياهم؛ لأنها قائمة بالله، تجري عليهم أرزاقهم من حيث لا يحتسبون، تخدمهم ولا يخدمونها؛ يا دنياي اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك. فمن قصّر منهم في الشكر توجه إليه العتاب بقوله: {ولقد مكناكم في الأرض} إلى قوله: {قليلاً ما تشكرون}، ومن تحقق شكره قيل له: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} [القصص: 5، 6]. والله تعالى أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8